بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم النبيين وسيد المرسلين اما بعد:-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتشرت عادة اللعن في هذه الايام فلا ترى صغير او كبير الا ويلعن.. بل وقد أصبح اللعن عند الاصحاب مزحة جميلة..
قال صاحب لسان العرب:- اللعن: {الإبعاد والطرد من الخير}. وقيل {الطرد والإبعاد من الله}. ومن الخَلْق {السب والدعاء} .
فعن ثابت بن الضاحك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "لعن المؤمن كقتله". [رواه البخاري ومسلم].
وروي في صحيح مسلم ايضا عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- " لا يكون اللّعانون شفعاء ولاشهداء بيوم القيامه". [رواه ومسلم].
وروي في سنن ابن داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "إن العبد اذا لعن شيئاً صعدت اللعنه إلى السماء فتغلق ابواب السماء دونها ثم تهبط إلى الارض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لُعن إن كان أهلا لذلك وإلا رجعت الى قائلها".
واللّعن يقع على وجهين:-
الأول: أن يلعن الكفار وأصحاب المعاصي على سبيل العموم، كما لو قال: {لعن الله اليهود والنصارى}. أو: {لعنة الله على الكافرين والفاسقين والظالمين}. أو: {لعن الله شارب الخمر والسارق}. فهذا اللعن جائز ولا بأس به. قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/203): و"يجوز لعن الكفار عامة" اهـ .
الثاني: أن يكون اللعن على سبيل تعيين الشخص الملعون سواء كان كافراً أو فاسقاً، كما لو قال: {لعنة الله على فلان} ويذكره بعينه. فهذا على حالين:-
أولاً: أن يكون النص قد ورد بلعنه مثل إبليس، أو يكون النص قد ورد بموته على الكفر كفرعون وأبي لهب، وأبي جهل، فلعن هذا جائز.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/214) : "ويجوز لعن من ورد النص بلعنه، ولا إثم عليه في تركه" اهـ .
ثانياً: لعن الكافر أو الفاسق على سبيل التعيين ممن لم يرد النص بلعنه بعينه، مثل: (بائع الخمر / من ذبح لغير الله / من لعن والديه / من آوى محدثا / من غير منار الأرض / وغير ذلك.
" فهذا قد اختلف العلماء في جواز لعنه على ثلاثة أقوال:-
الاول: (أنه لا يجوز بحال).
الثاني: (يجوز في الكافر دون الفاسق).
الثالث: (يجوز مطلقاً) اهـ .
الآداب الشرعية لابن مفلح (1/303).
واستدل من قال بعدم جواز لعنه بعدة أدلة، منها:-
1- عن عبد الله بن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. [رواه البخاري 4070].
2- عن عمر أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله ، وكان يلقب حمارا ، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب ، فأتي به يوما فأمر به فجلد ، قال رجل من القوم : اللهم العنه ، ما أكثر ما يؤتى به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تلعنوه، فـوالله ما علمت ، إلا أنه يحب الله ورسوله". [رواه البخاري 6780].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (6/511):-
"واللّعنة تجوز مطلقاً لمن لعنه الله ورسوله، وأما لعنة المعين فإن علم أنه مات كافرا جازت لعنته، وأمّا الفاسق المعين فلا تنبغي لعنته لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يلعن عبد الله بن حمار الذي كان يشرب الخمر ، مع أنه قد لعن شارب الخمر عموما ، مع أن في لعنة المعين إذا كان فاسقا أو داعيا إلى بدعة نزاعاً" اهـ .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "القول المفيد" (1/226):-
"الفرق بين لعن المعين ولعن أهل المعاصي على سبيل العموم ؛ فالأول (لعن المعين) ممنوع ، والثاني (لعن أهل المعاصي على سبيل العموم) جائز ، فإذا رأيت محدثا ، فلا تقل لعنك الله ، بل قل : لعنة الله على من آوى محدثا ، على سبيل العموم ، والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما صار يلعن أناساً من المشركين من أهل الجاهلية بقوله: "اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا" نهي عن ذلك بقوله -تعالى-: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} [رواه البخاري]." اهـ .
والله تعالى أعلم.